بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على محمد خاتم النبيين
وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أما بعد فإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك ذكرت أنك هممت
بالفحص عن تعرف جملة الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنن
الدين وأحكامه وما كان منها في الثواب والعقاب والترغيب والترهيب وغير ذلك من صنوف
الأشياء بالأسانيد التي بها نقلت وتداولها أهل العلم فيما بينهم فأردت أرشدك الله
أن توقف على جملتها مؤلفة محصاة وسألتني أن ألخصها لك في التأليف بلا تكرار يكثر
فإن ذلك زعمت مما يشغلك عماله قصدت من التفهم فيها والاستنباط منها وللذي سألت
أكرمك الله حين رجعت إلى تدبره وما تؤول به الحال إن شاء الله عاقبة محمودة ومنفعة
موجودة وظننت حين سألتني تجشم ذلك أن لو عزم لي عليه وقضي لي تمامه كان أول من
يصيبه نفع ذلك إياي خاصة قبل غيري من الناس لأسباب كثيرة يطول بذكرها الوصف إلا أن
جملة ذلك أن ضبط القليل من هذا الشان وإتقانه أيسر على المرء من معالجة الكثير منه
ولا سيما عند من لا تمييز عنده من العوام إلا بأن يوقفه على التمييز غيره فإذا كان
الأمر في هذا كما وصفنا فالقصد منه إلى الصحيح القليل أولى بهم من ازدياد السقيم
وإنما يرجى بعض المنفعة في الاستكثار من هذا الشان وجمع المكررات منه لخاصة من
الناس ممن رزق فيه بعض التيقظ والمعرفة بأسبابه وعلله فذلك إن شاء الله يهجم بما
أوتي من ذلك على الفائدة في الاستكثار من جمعه فأما عوام الناس الذين هم بخلاف
معاني الخاص من أهل التيقظ والمعرفة فلا معنى لهم في طلب الكثير وقد عجزوا عن
معرفة القليل ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت وتأليفه على شريطة سوف
أذكرها لك وهو إنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم فتقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي
موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة
تكون هناك لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام فلا بد من
إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث
على اختصاره إذا أمكن ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئته إذا ضاق ذلك
أسلم فأما ما وجدنا بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فعله إن
شاء الله تعالى فأما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من
العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوا
لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش كما قد عثر فيه على كثير من
المحدثين وبان ذلك في حديثهم فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها
أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم
على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم
كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم من حمال الآثار
ونقال الأخبار فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين
فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم
في الحال والمرتبة لأن هذا عند أهل العلم درجة رفيعة وخصلة سنية