نشأ محمد صلى الله عليه وسلم كما يقولون عصامياً، رجل يحفر في الصخر ويبذل ما يبذل ليحصل على العيش الكريم على اللقمة الحلال، دون أن يكون أسيراً لإحسان أحد، هكذا نشأ محمد بن عبد الله وكان في نشأته هذه موضع التقدير وموضع الاحترام والرعاية من مجتمع مكة كله، كان صادقاً لا يكذب أميناً لا يخون ثابتاً لا يتلون، مؤمناً بقيم يرعاها لم يُعرف عنه أنه شرب خمراً والخمر مباحة متاحة، لم يُعرف أنه غازل امرأة أو عاكس فتاة أو سار وراء غادة أو اشترك في لهو من ملاهي الجاهلية وكل شيء في الجاهلية كان مباح .. الخمر كانت مباحاً والميسر كان مباحاً والزنا كان موجوداً سواء كان سِفاحاً أو اتخاذ أخدان، كل هذا كان موجوداً، ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أبعد الناس عنه، الله تعالى يُعدُّه لرسالة ولذلك تعهَّده بالعناية والرعاية منذ صباه، فلم يشارك في لهو الجاهلية بشيء حتى أنه مرة فكر أن يحضر عرساً من الأعراس ويمارس الحضور مع بعض الشباب ولكن قال: "إن الله ضرب عليَّ النوم فلم استيقظ حتى طلعت الشمس" حتى هذه الفكرة لم تتم، أراد أن يحفظه طاهراً مطهَّراً مبرَّءاً ولذلك حينما قامت الدعوة وقامت المعارك بينه وبين أهل الجاهلية وبين أهل الشرك من قريش واشتد الخصام واحتد الجدال لم يستطع واحد منهم أن يقول عنه كلمة في شبابه وصباه، لم يقل: أليس هذا الذي كنا نعرف عنه كذا وكذا، لا .. ما استطاع أحد أن يمسَّه بسوء فقد كان مبرءا من كل عيب بشري، كان طاهر السيرة نقي السريرة، محموداً في حياته كلها وهذا ما جعل القرآن الكريم يقول الله تعالى له (وإنك لعلى خلق عظيم) محمد عليه الصلاة والسلام نشأ هذه النشأة.